محصول مبشر لصالح الأمن الغذائي مستقبلاً في البيئات الهامشية

  • محصول مبشر لصالح الأمن الغذائي مستقبلاً في البيئات الهامشية
    محصول مبشر لصالح الأمن الغذائي مستقبلاً في البيئات الهامشية
24 فبراير 2016

مع تنبؤات الأمم المتحدة بوصول عدد سكان العالم إلى نحو ٩.٧ مليار نسمة عام ٢٠٥٠، يحذر العلماء من احتمال وصول الزراعة الصناعية إلى أقصى مستوى لها من حيث إنتاج أغذية كافية لإطعام العدد المتنامي من السكان. وبشيء من التقديرات، نجد أن ثمة حاجة إلى زيادة إنتاج الأغذية بنسبة ٦٠ في المائة عام ٢٠٥٠ لتلبية هذا الطلب. فقد خلصت دراسة أجراها علماء في جامعة نبراسكا- لينكولن، إلى أن استمرار التراجع في الإنتاج ومستويات إنتاج المحاصيل الرئيسية منذ تسعينات القرن المنصرم تشير إلى أن الغلال قد وصلت إلى المستوى الأقصى المحتمل لها وفق النموذج الصناعي للأعمال الزراعية. في حين يتحدث الباحثون جدلاً بأن بعض الأسباب تعود إلى تدهور الأراضي والتربة، وتغير المناخ ونقص الاستثمارات أو عدم ملاءمتها. الأمر الذي يزيد من المخاوف المنوطة بمدى ملاءمة الأساليب الزراعية التقليدية لدعم أهداف إنتاج الأغذية على المستوى العالمي، إذ تقول التنبؤات أن المناطق التي تعاني من سوء التغذية وندرة المياه وتدهور التربة هي التي ستشهد النمو السكاني الأعظم.

 تندرج الملوحة وندرة المياه بين المعوقات الرئيسية التي تقف حجر عثرة أمام الإنتاجية الزراعية، لاسيما في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إذ تتضرر قرابة ٢٠ في المائة من الأراضي المروية بفعل الملوحة. أضف إلى ذلك أن النمو السكاني في المناطق الحضرية يضغط بدرجة أكبر على موارد المياه العذبة، في حين يفاقم تغير المناخ من المشكلة، حيث شهدت المنطقة تزايداً في تواتر موجات الجفاف.

وتقول التقديرات أن الخسائر في غلال القمح تراوحت من ٢٠ إلى ٤٠ في المائة في الأراضي المتضررة بالملوحة، حيث يتحدث العلماء عن وجوب زراعة محاصيل غير تقليدية على نطاق أوسع في تلك المناطق، وهي تلك المحاصيل المعروفة بتحملها لإجهاد الحرارة والمياه والملوحة، إلا أنها لا تزرع في المنطقة على نطاق واسع بعد. ومن هذه المحاصيل محصول الكينوا الذي يعتقد أنه يحمل مقاليد تلبية الطلب المستقبلي على الغذاء.

ويحتل الكينوا، ذلك المحصول الغذائي الذي لم يعرف سوى في مناطق معينة حتى وقت ليس ببعيد، موقعاً محورياً كحل مستقبلي لمسألة الأمن الغذائي. وتعزيزاً للتوعية العالمية حيال المحصول، أعلنت الأمم المتحدة ٢٠١٣ السنة الدولية للكينوا. ومؤخراً أدى الطلب العالمي المتنامي على المحصول إلى حث أعمال البحوث والتنمية ذات الصلة به. فعلى سبيل المياه، يعمل المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) منذ ٢٠٠٧ على محصول الكينوا بالشراكة مع وزارة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة ومركز خدمات المزارعين في أبوظبي لتقييم واختبار أداء عديد من أصناف الكينوا لمعرفة مستوى إنتاجيتها عند زراعتها في ظروف هامشية. وعمل إكبا حتى تاريخه على تحديد واستنباط أربع سلالات كينوا مرتفعة الغلة تتسم بتحملها للملوحة والحرارة، حيث أضحت جاهزة للاختبار في مناطق زراعية-إيكولوجية أخرى. أضف إلى ذلك أن إكبا يقود مبادرة عالمية حول الكينوا تجعل من هذا المحصول خياراً للبيئات الهامشية، حيث تدار هذه المبادرة في كل من الإمارات العربية المتحدة واليمن ومصر والأردن وكذلك في عمان وأوزبكستان وطاجكستان وقرغيزستان. 

اضطلعت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة من جانبها بدور ريادي على مستوى بحوث الكينوا في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فعلى سبيل المثال، أطلقت المنظمة مبادرة مشروع إقليمي للمساعدة التقنية، حيث ترمي هذه المبادرة إلى إدخال الكينوا وإدراج إنتاجه ضمن إطار مؤسساتي في كل من الجزائر ومصر وإيران، وكذلك في العراق ولبنان وموريتانيا والسودان واليمن.

إلا أن ثمة تحديات جمّة لا تزال قابعة في الأفق قبل إطلاق زراعة المحصول على نطاق واسع. الأمر الذي دفع ممثلين عن إكبا ومنظمة الأغذية والزراعة ووزارة التغير المناخي والبيئة في الإمارات العربية المتحدة وجهاز أبوظبي للرقابة الغذائية إلى تنظيم مناقشة بين أعضاء اللجنة المعنية خلال المنتدى العالمي للابتكارات الزراعية (GFIA) ٢٠١٦ المنعقد في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة حول كيفية إسهام الكينوا في الأمن الغذائي داخل البيئات الهامشية والجوانب المعيقة لتطور تبني زراعة المحصول على نطاق واسع. وفي كلمة له خلال المنتدى يوم ١٧ فبراير/شباط ٢٠١٦، قال الدكتور كاميسوارا راو ناندوري، خبير الموارد الوراثية النباتية لدى إكبا، أنه رغم تزايد الاعتراف بإمكانية الكينوا على المستوى العالمي، والنتائج المؤاتية في التجارب النموذجية "إلا أنه لا يزال يتعين علينا التغلب على المعوقات والقضايا التي تقف حجر عثرة أمام إدخال المحصول بنجاح في البيئات الزراعية الجديدة غير التقليدية". وبالنسبة للدكتور راو، فإن بعض القضايا تشتمل على محدودية توافر المادة الوراثية الملائمة لزراعة المحصول خارج بيئته الأصلية، والافتقار إلى ممارسات إدارة زراعته بصورة فضلى بما في ذلك التسميد ومكافحة الآفات والأمراض، ناهيك عن حصاده وتصنيعه في الأقاليم والمناطق الجديدة. أضف إلى ذلك الافتقار إلى القدرات المحلية لزراعته وكذلك إلى خدمات الإرشاد الزراعي لنقل المعرفة والمهارات.

من جهته، يرى الدكتور دوست محمد، مسؤول إقليمي لإنتاج النبات لدى منظمة الأغذية والزراعة، أنه من الضرورة بمكان بذل مزيد من الجهود لرفع التوعية لدى السكان المحليين. وقال الدكتور محمد أن القطاع الخاص بحاجة إلى الانخراط في العملية هو الآخر، في حين ثمة حاجة إلى إجراء مزيد من البحوث. فمع توافر سياسات تحفيزية ودعم حكومي بدرجة أكبر في البلاد، يرى العلماء أنه من الممكن تحقيق قفزات قـُدماً. وكما أورد الدكتور راو فإن الكينوا يعد مبشراً جداً للمناطق المتدهورة والمتضررة بالملوحة، لكن هنالك حاجة إلى مزيد من الدعم كي نتمكن من إدراك إمكاناته.