من الحقول إلى المخابز: كيف يُحوّل مزارعو ليبيريا اللوبيا إلى أرباح مستدامة
على مدى أجيال، دأب أعضاء "تعاونية رايز آند شاين متعددة الأغراض" في مقاطعة غراند باسا بليبيريا على زراعة اللوبيا، دون أن يخطر ببالهم أن هذا المحصول يمكن أن يشكّل بديلًا مجديًا لدقيق القمح.
رغم توفّر اللوبيا المزروعة محليًا على نطاق واسع، لا تزال ليبيريا تعتمد بشكل كبير على استيراد القمح، مما يزيد من التكاليف ويحدّ من إمكانية الوصول إليه. ولمعالجة هذا التحدي، قدّم خبراء تصنيع الأغذية في المعهد المركزي للبحوث الزراعية في ليبيريا (CARI) لأعضاء التعاونية حلًا مبتكرًا: تحويل اللوبيا إلى دقيق. ومن خلال تدريب متخصص، تعلّم المزارعون كيفية تحويل محاصيلهم إلى مخبوزات مغذية ومتنوّعة مثل الكعك والبسكويت ولفائف النقانق، ما فتح أمامهم آفاقًا جديدة لتعزيز الأمن الغذائي والتمكين الاقتصادي.
وقال الدكتور جيمس إس. دولو، رئيس الباحثين في المعهد: "يعاني العديد من صغار المزارعين في ليبيريا من تدنّي الدخل بسبب عدم قدرتهم على إضافة قيمة حقيقية للمحاصيل التي يبيعونها. فهم يبيعون المنتجات الزراعية دون معالجتها، وبالتالي يحصلون على أسعار السوق الأساسية، ما يعني أرباحًا محدودة للغاية".
إدراكًا للحاجة إلى تعزيز الفرص الاقتصادية للمزارعين، أطلق فريق المعهد المركزي للبحوث الزراعية (CARI) سلسلة من ورش "تدريب المدرّبين"، بهدف تمكين أعضاء تعاونية "رايز آند شاين متعددة الأغراض" من اكتساب المهارات اللازمة لإضافة قيمة لمحاصيلهم وزيادة دخلهم. وكجزء من هذه المبادرة، نُظِّمت ورشة تدريبية متخصصة في تصنيع الأغذية لبناء قدرات المزارعين، بما يحقق فوائد آنية ويضمن استدامة طويلة الأمد.
وخلال هذه الجلسات التطبيقية، أتقن المشاركون فن إعداد منتجات متنوعة من اللوبيا، بما في ذلك حساء اللوبيا، وخبز اللوبيا، وكعكة اللوبيا، وعصيدة الأرز، ولفائف النقانق باللوبيا، وخبز الأرز، مما وسّع من إمكاناتهم للنجاح في السوق المحلي.
تُشكّل هذه الورش التدريبية عنصرًا أساسيًا ضمن مشروع " "تحسين التكيّف مع الملوحة من خلال تطوير وتعزيز التقنيات لصالح الفقراء" (RESADE)، وهي مبادرة طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز قدرة النظم الزراعية على الصمود في المناطق المتأثرة بالملوحة. ويتولى المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) قيادة هذا المشروع بالتعاون مع الأنظمة الوطنية للبحوث الزراعية في كل من بوتسوانا، وغامبيا، وليبيريا، وموزمبيق، وناميبيا، وسيراليون، وتوغو، بهدف تحسين الإنتاجية الزراعية، وتعزيز الأمن الغذائي، وزيادة دخل المجتمعات الريفية، مع تركيز خاص على تمكين النساء المزارعات.
يُنفَّذ مشروع "تحسين التكيّف مع الملوحة من خلال تطوير وتعزيز التقنيات لصالح الفقراء" بالشراكة مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD) والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا (BADEA).
قال الدكتور نهامو نهامو، خبير زراعي أول في المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) وعضو فريق مشروع RESADE: "يهدف مشروع RESADE إلى التخفيف من آثار الملوحة على الأراضي الصالحة للزراعة من خلال إدخال محاصيل متحملة للملوحة وتطبيق أفضل الممارسات الزراعية على المزارعين في مناطق المشروع". وأضاف: "كما يُسهم المشروع في مساعدة المزارعين على تطوير سلاسل القيمة للأنظمة الزراعية المستحدثة، وهو ما يتم تنفيذه حاليًا في منطقة غراند باسا".
تُعد اللوبيا (Vigna unguiculata) من المحاصيل المعروفة جيدًا لدى مزارعي مقاطعة غراند باسا، وهي ثاني أكثر البقوليات الحبيّة زراعة في أفريقيا بعد الفول السوداني.
وقال الدكتور جيمس إس. دولو: "هناك سببان رئيسيان لانتشار زراعة اللوبيا في ليبيريا؛ فهي غنية بالقيم الغذائية، وتتناسب بشكل مثالي مع المناخ والتربة في هذه المناطق."
تُعد اللوبيا مصدرًا غذائيًا غنيًا ومتكاملًا، وتشكل غذاءً أساسيًا لنحو 200 مليون شخص في أنحاء منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، حيث تُوفّر مصدرًا حيويًا للبروتين والعناصر الغذائية الأساسية والكربوهيدرات سهلة الهضم. ويُضاهي محتواها العالي من الطاقة ما تحتويه الحبوب، مما يجعلها عنصرًا غذائيًا لا غنى عنه في المناطق التي تُعاني من انعدام الأمن الغذائي. إضافة إلى ذلك، تتميّز بعض أصناف اللوبيا بسرعة الطهي، وهي ميزة حاسمة في المناطق التي تعاني من شحّ حطب الوقود وارتفاع تكاليفه.
إلى جانب قيمتها الغذائية، تؤدي اللوبيا دورًا محوريًا في تعزيز صحة التربة واستدامتها. وبصفتها محصولًا من البقوليات، تتميّز بقدرتها الطبيعية على تثبيت النيتروجين من الهواء، مما يُغني التربة ويُعزّز خصوبتها، وبالتالي يُساهم في دعم نمو نباتي أكثر صحة وتحسين الغلّة الزراعية بشكل عام.
قال الدكتور جيمس إس. دولو: "كنّا نهدف إلى مساعدة المزارعين على إضافة قيمة أكبر لمحصول اللوبيا الذي ينتجونه، ولذلك قمنا بتعليمهم كيفية إعداد الخبز باستخدام دقيق اللوبيا".
تلقّى أعضاء تعاونية "رايز آند شاين متعددة الأغراض" هذا الابتكار بحماس كبير، بعدما أدركوا إمكاناته من حيث الفائدة الغذائية وفرص توليد الدخل. لم يقتصر دورهم على إنتاج خبز اللوبيا باستخدام التقنيات التي تعلّموها، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، حيث قاموا بتعديل الوصفة وتحسينها لتلائم الأذواق المحلية بشكل أفضل.
وقالت السيدة نانسي براينت، رئيسة التعاونية: "قمنا بإضافة الموز لتحسين النكهة قليلًا"، وقد لاقت هذه الإضافة نجاحًا ملحوظًا. وأضافت: "نقوم الآن ببيع الخبز لطلاب الكلية المجتمعية المحلية".
من خلال إضافة القيمة إلى محصول اللوبيا المزروع في حقولهم، بات بإمكان أعضاء تعاونية "رايز آند شاين متعددة الأغراض" أن يأملوا في تأمين مصدر دخل جديد لأسرهم.